ناصر مقدادي مشرف
عدد الرسائل : 475 تاريخ التسجيل : 03/07/2007
| موضوع: ][§¤][ كعب بن مالك التائب الصادق ][¤§][ الأحد يوليو 22, 2007 7:01 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم ][§¤][ كعب بن مالك التائب الصادق ][¤§][
إنه الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه ، صاحب
التوبة الصادقة ، وكان كعب رضي الله عنه قد أسلم حين سمع
بالإسلام ، فأتى مكة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة
العقبة الثانية ، فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين طلحة بن عبيد الله رضي
الله عنه .
][§¤][ كعب والشعر ][¤§][
كان كعب رضي الله عنه شاعرا مجيدا ، وخاصة في مجال
المغازي والحروب الإسلامية ، وكان واحدا من شعراء الرسول
صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين يردون عنه الأذى بقصائدهم ،
وهم : كعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ،
رضي الله عنهم فكان كعب يخوفهم بالحرب ، وكان حسان يهجوهم
بالأنساب ، وكان عبد الله يعيرهم بالكفر .
وقد جاء كعب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله ، ماذا ترى في الشعر؟
فقال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم :
" المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه "
][§¤][ موقف مشهود ][¤§][
كان لكعب رضي الله عنه مواقف مشهودة في غزوة أحد ،
حين دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وألبسه ملابسه التي
يلبسها في الحرب ، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم ملابس
كعب رضي الله عنه الحربية ، يقول كعب رضي الله عنه :
( لما انكشفنا يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله وبشرت
به المؤمنين حيا سويا ، وأنا في الشعب )
وقد جرح سبعة عشر جرحا ، وكان المشركون يوجهون إليه
السهام ظنا منهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
][§¤][ التخلف عن تبوك ][¤§][
يقول كعب رضي الله عنه :
( كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت
عنه في تلك الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتها
في تلك الغزاة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد
غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها
الرسول صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا
ومفاوز ، واستقبل عددا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا
أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع الرسول
صلى الله عليه وسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ الديوان ، فقل
رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ، ما لم ينزل
فيه وحي من الله عز وجل .
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار
والظلال ، وأنا والله أُصعر، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمؤمنون معه ، فطفقت أغدو لكي اتجهز معهم فأرجع ولم
أقض من جهازي شيئا ، فأقول لنفسي :
أنا قادر على ذلك إن أردت .. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر
بالناس بالجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون
معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، وقلت :
أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه .. فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز
فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض
من جهازي شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط
الغزو ، فهممت أن ارتحل فألحقهم ، وليت أني فعلت ، ثم لم يقدر
ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا في النفاق ، أو رجلا
ممن عذره الله عز وجل ) .
][§¤][ النبي يسأل عنه ][¤§][
يقول كعب رضي الله عنه :
( ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ،
فقال وهو جالس في القوم بتبوك : " ما فعل كعب بن مالك ؟ "
فقال رجل من بني سلمة : ( حبسه يا رسول الله براده والنظر
في عطفيه ) فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه :
( بئسما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا )
فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم )
][§¤][ عودة النبي من تبوك ][¤§][
لما عاد المسلمون إلى المدينة دخل الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى المسجد ، وصلى فيه ركعتين ، فدخل عليه المنافقون الذين
تخلفوا عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبدءوا يكذبون
على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتعللون بأعذار واهية.
][§¤][ صدقه ][¤§][
لم يكذب كعبا رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأقر بذنبه وتقصيره في حق الله وتكاسله عن الجهاد ، وفعل
مثله هلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهما ، وكانا
قد تخلفا أيضا.
][§¤][ المقاطعة ][¤§][
بعدما سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلام كعب رضي الله عنه ،
أمر المسلمين أن يقاطعوه وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك
بدون عذر ، فلم يكلمهم أحد من المسلمين ، ولم يتعاملوا معهم.
فجلس الاثنان كل منهما في بيته يبكيان ، أما كعب رضي الله عنه
فلم يحبس نفسه مثلهما ، بل كان يخرج للصلاة ، وكان إذا سار في
السوق أو غيره لا يتحدث معه أحد ، وكان لكعب رضي الله عنه
ابن عم يحبه حبا شديدا هو الصحابي الجليل أبو قتادة رضي الله
عنه ، ولما اشتد الأمر بكعب رضي الله عنه ، ذهب إلى ابن عمه
أبي قتادة رضي الله عنهما في بستانه وألقى عليه السلام ،
ولكن أبا قتادة رضي الله عنه لم يرد عليه ، فقال له كعب رضي
الله عنه :
( يا أبا قتادة ، أنشدك بالله ، هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ )
فلم يرد عليه أبو قتادة رضي الله عنه ، فكرر كعب رضي الله
عنه السؤال ، فقال أبو قتادة رضي الله عنه :
( الله ورسوله أعلم ) ففاضت عينا كعب رضي الله عنه بالدموع
وتركه.
][§¤][ دعوة للتنصر ][¤§][
ذات يوم ، ذهب كعب رضي الله عنه إلى السوق ، فإذا برجل
نصراني من الشام يسأل عنه ، وعندما قابله أعطاه النصراني
رسالة من ملك غسان ، فقرأها كعب رضي الله عنه ووجد
فيها :
( أما بعد ، فإنه قد بلغني أن صاحبك محمدا جفاك ، ولم يجعلك
الله بدار مذلة أو هوان ، فالحق بنا نواسك )
وبعد أن قرأ كعب رضي الله عنه الرسالة قال في نفسه :
( والله إن هذه أيضا من الفتنة والابتلاء ، ثم ألقى بالرسالة في النار )
][§¤][ الأمر بالإعتزال ][¤§][
مضى على كعب رضي الله عنه وصاحبيه أربعون يوما ، وهم
على تلك الحالة من الندم والبكاء والمقاطعة الكاملة من كل
المسلمين ، وبعدها أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهجروا
زوجاتهم ، وظلوا على هذه الحالة عشرة أيام.
][§¤][ البشارة والفرج ][¤§][
بعد خمسين يوما جاء الفرج ، ونزلت التوبة من الله على هؤلاء
المؤمنين الصادقين الذين لم يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فبعد أن صلى كعب رضي الله عنه صلاة الفجر، جلس
بمفرده ، فسمع صوتا ينادى من بعيد :
( يا كعب ، أبشر يا كعب )
فلما سمعه كعب رضي الله عنه خر ساجدا لله سبحانه ، وعلم أن
الله قد تاب عليه ، وبلغ من شدة فرحته أنه خلع ثوبيه وألبسهما
للرجل الذي بشره و ما كان يملك يومئذ غيرهما واستعار ثوبين
فلبسهما ثم انطلق مسرعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ،
فاستقبله الصحابة وهم سعداء ، وقام طلحة بن عبيد الله رضي الله
عنه من بين الحاضرين جميعا وأسرع ليهنئ كعبا رضي الله عنه ،
فلم ينسها له كعب رضي الله عنه أبدا ، وتبسم له الرسول صلى الله
عليه وسلم وقال له :
" أبشر بخير يوم مرعليك منذ ولدتك أمك "
وأنزل الله فيه وفي صاحبيه قرآنا ، قال تعالى في سورة التوبة
آية ( 118 ) :
(( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت
وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم
ليتوبوا إن الله هو التواب ))
][§¤][ الصدق منجاة ][¤§][
كان كعب رضي الله عنه يقول :
( والله ما مر علي يوم كان خيرا ولا أحب إلي من ذلك اليوم الذي
بشرت فيه بتوبة الله تعالى علي وعلى صاحبي ، ثم قال للرسول
صلى الله عليه وسلم :
( إن من توبتي أن أتصدق بمالي كله لله ولرسوله )
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
" أمسك عليك بعض مالك، فهو خيرلك "
فقال كعب رضي الله عنه :
( يا رسول الله ، إن الله تعالى أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي
ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين ابتلاه
الله في صدق الحديث أحسن مما ابتلاني )
وكان كعب رضي الله عنه يقول بعد ذلك :
( ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا شيئا من الكذب ،
وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى بقية عمري )
وكان كعب رضي الله عنه يقول :
( والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم
في نفسي من صدقي أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا
أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فقد قال الله تعالى :
(( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنه
إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم
لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ))
وهكذا كان صدق كعب رضي الله عنه سببا في نجاته ، وقبول توبة
الله عليه ، بينما أهلك الله المنافقين الذين كذبوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، واعتذروا بالباطل ، فجعلهم الله من أهل النار.
وظل كعب يجاهد في سبيل الله ، ولا يتخلف عن حرب أبدا ، فحارب
المرتدين في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وشارك في
الفتوحات الإسلامية على عهد الفاروق عمر رضي الله عنه ، وكذلك
في خلافة كل من عثمان وعلي رضي الله عنهما وأول خلافة معاوية
رضي الله عنه ، وظل على صدق إيمانه وقوة عقيدته.
][§¤][ وفاته ][¤§][
توفي رضي الله عنه بالشام في خلافة معاوية رضي الله عنه سنة
(50هـ ) وقيل سنة (53 هـ ) ، وعمره آنذاك ( 77 ) سنة ويقال :
إن الله سبحانه قد ابتلاه بفقد بصره قبل وفاته ، فصبر لذلك حتى
ينعم بما عند الله من الجنة.
وقد روى كعب بن مالك رضي الله عنه ثلاثين حديثا من أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه جماعة من الصحابة
والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين. | |
|